منقول/ القبلية بين حماية الهوية و استغلال النفوذ
العبقري انفو - حت زاد

القبلية بين حماية الهوية واستغلال النفوذ
تُعد القبيلة جزءًا أصيلًا من هوية المجتمعات الصحراوية، فقد شكّلت على مرّ القرون مظلةً للحماية والتكافل والتعاون. غير أن هذا الدور التاريخي بدأ ينحرف في زمننا الراهن، بعدما تحولت القبلية من رابطة اجتماعية أصيلة إلى وسيلة مبتذلة لخدمة مصالح ضيقة.
لقد أصبح بعض المنتفعين يوظفون الانتماء القبلي أداةً للسيطرة وإقصاء الكفاءات، بدل أن يكون إطارًا للتعارف والتضامن. وبدل أن تجمع القبيلة أبناءها على القيم المشتركة، تُستغل اليوم لإشعال الفتن بين الإخوة، وتغذية الأحقاد، من أجل الحفاظ على مكاسب هزيلة أو مواقع مؤقتة لا تنفع المجتمع ولا ترفع من شأنه.
هذا الاستغلال يُفرغ القبيلة من معناها النبيل، ويجعلها وسيلة للتمييز، حيث تُوزّع المنافع على أساس الولاءات لا الكفاءات، وتُقصى الطاقات الشابة والفاعلة فقط لأنها بلا “ظهير قبلي”. وهكذا تضيع الفرص، ويترسخ الظلم، ويتراجع المجتمع خطوات إلى الوراء.
إن الإسلام حذّر من العصبية الجاهلية، فقال النبي ﷺ:
“ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية”،
وهو تحذير صريح من تحويل القبيلة إلى أداة للتفاخر أو الظلم.المطلوب اليوم ليس إلغاء القبيلة، بل ردّها إلى مكانها الطبيعي: فضاء للتكافل والتعاون، لا منصة للتسلط أو تجارة في الولاءات. وعلى النخب أن تدرك أن إشعال الفتن للحفاظ على مكاسب ضيقة لن يجلب سوى التفرقة والخذلان، أما المجتمعات فلا تنهض إلا بالعدل والإنصاف وتكافؤ الفرص.
فالقبيلة إذا بقيت أداة للاستغلال ستتحول إلى عبء، أما إذا رُشدت قيمها فستكون مصدر قوة وغنى ثقافي، كما أراد الله لها:
{إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم}.