النعمة/ حين تتكلم الدولة عن العصبية

العبقري انفو - حت زاد

حين تتكلم الدولة عن العصبية..

بقلم: محمد محمود سيدى بوى.— رئيس المرصد الموريتاني للعدالة والمساواة.

في انبيكت لحوش، (عاصمة مقاطعة أظهر في ولاية الحوض الشرقي )، اختار الرئيس محمد ولد الغزواني أن يكسر رتابة اللقاءات المألوفة، ليتحدث بصراحةٍ نادرة عن أخطر ما يُهدد بنية الدولة: النزعات القبلية والشرائحية والتمييز العرقي.
قالها بوضوح: من الليلة لن يُسمح لأي موظف أن يكون جزءًا من إطار قبلي أو شرائحي، معلنًا أن الوحدة الوطنية خط أحمر.

كلام الرئيس بدا صادقًا في النية، جريئًا في الطرح، بل ومطلوبًا في ظرفٍ تتكاثر فيه الأصوات التي تستثمر في الشحن والانقسام.
لكنّ السؤال الذي يفرض نفسه هو: من المسؤول أولًا عن هذه العصبيات التي صارت تنبت في كل مفصل من مفاصل الإدارة والسياسة؟

الحقيقة أن الدولة نفسها هي التي غذّت هذه البُنى لسنوات، حين جعلت الولاء القبلي طريقًا إلى النفوذ، والزعامة التقليدية جسرًا إلى مكاتب التصويت.
فكيف نطلب من موظفٍ أن يبتعد عن القبيلة، والدولة تستنفر القبائل في كل موسم انتخابي، وتوزّع “المسؤوليات السياسية” حسب خرائط الولاء لا الكفاءة؟

لا يمكن مواجهة العصبية بخطابٍ فوقيٍّ جميل، بل بإصلاحٍ جذريٍّ يعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة.
فالمواطنة لا تُبنى بالشعارات، وإنما تُبنى حين يشعر المواطن أن العدالة لا تسأل عن نسبه، وأن الفرص لا تُمنح على أساس انتمائه، وأن القانون لا يتغيّر تبعًا لاسم عائلته أو قبيلته.

فالقبيلة، والحزب، والطريقة الصوفية، والمذهب، والإيديولوجيا..
كلها عناوين مختلفة لعصبيةٍ واحدة، تتوحّد حين تغيب الدولة ويُستبدل العقد الوطني بعقد الولاء.

إنّ ما نحتاجه اليوم أكثر ليس خطبًا ضد القبيلة، بل دولة لا تحتاج القبائل لتضمن استقرارها.
وحين تصل الدولة إلى هذه المرحلة، لن يكون هناك داعٍ لأن يُذكّرنا الرئيس بأنّ الوحدة الوطنية خط أحمر..
لأنها ببساطة ستكون حقيقةً نعيشها لا شعارًا نسمعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى